فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِم} يعني في الآخرة.
{ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يعني عند الموت. قاله سعيد بن جبير.
قوله عز وجل: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْه إحْسَانًا} في قراءة أهل الكوفة وقرأ الباقون حسنًا. قال السدي: يعني برًا.
{حَمَلْتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا} أي حملته بمشقة ووضعته بمشقة. وقرئ كرهًا بالضم والفتح. قال الكسائي والفراء في الفرق بينهما أن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه. وبالفتح ما حمل على غيره.
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَ ثُونُ شَهْرًا} الفصال مدة الرضاع. فقدر مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهرًا. وكان في هذا التقدير قولان:
أحدهما: أنها مدة قدرت لأقل الحمل وأكثر الرضاع. فلما كان أكثر الرضاع أربعة وعشرين شهرًا لقوله تعالى: {حولينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] دل ذلك على أن مدة أقل الحمل ما بقي وهو ستة أشهر. فإن و لدته لتسعة أشهر لم يوجب ذلك نقصان الحولين في الرضاع. قاله الشافعي وجمهور الفقهاء.
الثاني: أنها مدة جمعت زمان الحمل ومدة الرضاع. فإن كانت حملته تسعة أشهر؛ أرضعته أحدًا وعشرين شهرًا. وإن كانت حملته عشرة أشهر أرضعته شهرًا لئلا تزيد المدة فيهما عن ثلاثين شهرًا. قاله ابن عباس.
{حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} وفي الأشد تسعة أقاويل:
أحدها: أنه البلوغ. قاله ابن مالك والشعبي وزيد بن أسلم.
الثاني: خمسة عشر سنة. قاله محمد بن أو يس.
الثالث: ثماني عشرة سنة. قاله ابن جبير.
الرابع: عشرون سنة. قاله سنان.
الخامس: خمسة وعشرون سنة. قاله عكرمة.
السادس: ثلاثون سنة. قاله السدي.
السابع: ثلاثة وثلاثون سنة. قاله ابن عباس.
الثامن: أربعة وثلاثون سنة. قاله سفيان الثوري.
التاسع: أربعون سنة. وهو قول عائشة. والحسن.
{وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لأنها زمان الأشد. وهو قول من ذكرنا.
الثاني: لأنها زمان الاستواء. قال زيد بن أسلم: لم يبعث الله نبيًا حتى يبلغ الأربعين.
وقال ابن زيد: وقوله تعالى لموسى {وَاسْتَوَى} قال بلغ أربعين سنة. وقال الشعبي: يثغر الغلام لسبع ويحتلم لأربع عشرة. وينتهي طو له لإحدى وعشرين سنة. وينتهي عقله لثمان وعشرين. فما زاد بعد ذلك فهو تجربة ويبلغ أشده لثلاث وثلاثين.
الثالث: لأنها أول عمر بعد تمام عمر. قال ابن قيس.
{رَبِّ أَوْزِعْنِي} قال سفيان معناه ألهمني.
قال ابن قتيبة: والأصل في الآيزاع هو الإغراء بالشيء. ويقال فلان موزع بكذا أي مو لع به.
{أَن أَشْكُر نِعْمَتَكَ الَّتي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنعمت علي بالبر والطاعة. وأنعمت على والدي بالتحنن والشفقة.
الثاني: أنعمت عليَّ بالعافية والصحة. وعلى والديَّ بالغنى والثروة. وفي النعمة على كل واحد منهما نعمة على الآخر لما بينهما من الممازجة والحقوق الملتزمة.
وحكى أبوزهير عن الأعمش قال: سمعتهم يقولون إن الولد يأتيه رزقه من أربع خلال: يأتيه رزقه وهو في بطن أمه. ثم يو لد فيكون رزقه في ثدي أمه. فإذا تحرك كان رزقه على أبويه. فإذا اجتمع وبلغ أشده جلس يهتم للرزق ويقول من أين يأتيني رزقي. فاختصت الأم بخلتين من خلال رزقه. واشترك أبوه في الثالثة. وتفرد هو بالرابعة. فذهب عنه الهم لما كان موكلًا إلى غيره. واهتم لما صار موكلًا إلى نفسه ليتنبه بذلك على التوكل على خالقه ليكون نقى لهمته وأقل لحيرته وأدرّ لرزقه. وليعلم أن لأمه عليه حقًا يعجز عن أدائه لما عانت من موارد رزقه ما عجز الخلق عن معاناته.
{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: في بر الوالدين.
الثاني: في ديني.
{وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَتِي} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يدعوبإصلاحهم لبره وطاعته لإضافته ذلك إلى نفسه.
الثاني: أن يدعوبإصلاحهم لطاعة الله وعبادته وهو الأشبه. لأن طاعتهم لله من بره. ولأنه قد دعا بصلاح ذرية قد تكون من بعده.
وفيه لأصحاب الخواطر أربعة أوجه:
أحدها: قاله سهل: اجعلهم لي خلف صدق و لك عبيد حق.
الثاني: قاله أبو عثمان: اجعلهم أبرارًا. أي مطيعين لك.
الثالث: قاله ابن عطاء وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم.
الرابع: قاله محمد الباقر رضي الله عنه: لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلًا.
{إنِّي تُبْتُ إِِلَيكَ} قال ابن عباس: رجعت عن الأمر الذي كنت عليه.
وفي هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قاله مقاتل والكلبي.
الثاني: مرسلة نزلت على العموم. قاله الحسن.
قوله عز وجل: {أولئكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم إذا أسلموا قبلت حسناتهم وغفرت سيئاتهم. قاله زيد بن أسلم يحكيه مرفوعًا.
الثاني: هو إعطاؤهم بالحسنة عشرًا رواه أبوهلال.
الثالث: هي الطاعات لأنها الأحسن من أعماله التي يثاب عليها وليس في المباح ثواب ولا عقاب. حكاه ابن عيسى.
{وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِم فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: نتجاوز عن سيئاتهم بالرحمة.
الثاني: نتجاوز عن صغائرهم بالمغفرة.
الثالث: نتجاوز عن كبائرهم بالتوبة.
{وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} وعد الصدق الجنة. الذي كانوا يوعدون في الدنيا على ألسنة الرسل.
قوله عز وجل: {وَالَّذِي قال لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لكُمَا أَتَعِدَانَنِي أَنْ أُخْرَجَ}: أي أبعث.
{وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي} فلم يبعثوا. وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأمه أم رومان. يدعوانه إلى الإسلام ويعدانه بالبعث فيرد عليهما بما حكاه الله عنه. وكان هذا منه قبل إسلامه. قاله السدي.
قال السدي: فلقد رأيت عبد الرحمن بن أبي بكر بالمدينة. وما بالمدينة أَعْبَدُ منه. ولقد استجاب الله فيه دعوة أبي بكر رضي الله عنه. ولما أسلم وحسن إسلامه. نزلت توبته في هذه الآية {ولكُلِّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ}.
الثاني: أنها نزلت في عبد الله بن أبي بكر. وكان يدعوه أبواه إلى الإسلام فيجيبهما بما أخبر الله تعالى. قاله مجاهد.
الثالث: أنها نزلت في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم و لذلك قال: {أولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِم القول} والعرب قد تذكر الواحد وتريد به الجمع وهذا معنى قول الحسن. فأما ال {أُفٍّ} فهي كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد. قال الشاعر:
ما يذكر الدهر إلا قلت أف له ** إذا لقيتك لولا قال لي لاقي

وفي أصل الأف والتف ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الأف وسخ الأذن. والتف وسخ الأنف.
الثاني: الأف وسخ الأظفار. والتف الذي يكون في أصو ل الأظافر.
الثالث: أن الأف العليل الأنف. والتف الإبعاد.
{وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّه} أي يدعوان الله: اللهم اهده. اللهم اقبل بقلبه. اللهم اغفر له.
{وَيْلَكَ ءَآمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} في الثواب على الآيمان. والعقاب على الكفر.
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: معناه أذهبتم طيباتكم في الآخرة بمعاصيكم في الدنيا.
الثاني: ألهتكم الشهوات عن الأعمال الصالحة.
الثالث: أذهبتم لذة طيباتكم في الدنيا بما استوجبتموه من عقاب معاصيكم في الآخرة.
الرابع: معناه اقتنعتم بعاجل الطيبات في الدنيا بدلًا من اجل الطيبات في الآخرة.
وروى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: لأنا أعلم بخفض العيش. ولو شئت لجعلت أكبادًا وأسنمة وصلاء وصنابًا وسلائق. ولكن أستبقي حسناتي. فإن الله تعالى وصف قومًا فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} والصلاء. والشواء. والصناب الأصبغة والسلائق الرقاق العريض.
وقال ابن بحر فيه تأويل خامس: أن الطيبات: الشباب والقوة. مأخوذ من قولهم: ذهب أطيباه أي شبابه وقوته. و وجدت الضحاك قاله أيضًا.
{وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: بالدنيا.
الثاني: بالطيبات.
{فَالْيَوْمَ تُجْزَونَ عَذَابَ الْهونِ} قال مجاهد: الهون الهوان. قال قتادة بلغة قريش.
{بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: تستعلون على أهلها بغير استحقاق.
الثاني: تتغلبون على أهلها بغير دين.
الثالث: تعصون الله فيها بغير طاعة.
{وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تفسقون في أعمالكم بغيًا وظلمًا.
الثاني: في اعتقادكم كفرًا وشركًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

سورة الأحقاف:
فصل في نزولها:
روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكِّيَّة.
وبه قال الحسن. ومجاهد. وعكرمة. وقتادة. والجمهور.
وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: فيها آية مدنيَّة. وهي قوله: {قُلْ أرأيتثم إِن كان مِنْ عِنْدِ اللهِ} [الأحقاف: 10] وقال مقاتل: نزلت بمكة غير ايتين: قوله: {قُلْ أرأيتثم إِن كان مِنْ عِنْدِ اللهِ} [الأحقاف: 10] وقوله: {فاصْبِرْ كما صَبَرَ أُولوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] نزلتا بالمدينة.
وقد تقدم تفسير فاتحتها (المؤمن) [الحجر: 85] إلى قوله: {وأجَلٍ مُسَمَّىً} وهو أجَل فَناء السموات والأرض. وهو يوم القيامة.
قوله تعالى: {قل أرأيتم} مفسَّر في [فاطر: 40] إلى قوله: {إِيتوني بكتاب}. وفي الآية اختصار. تقديره: فإن ادَّعَواْ أن شيئًا من المخلوقات صنعةُ الهتهم. فقل لهم: إيتوني بكتاب {مِنْ قَبْلِ هذا} أي: مِنْ قَبْلِ القرآن فيه برهانُ ما تدَّعون من أن الأصنام شركاءُ الله. {أو أثارة مِنْ عِلْمٍ} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الشيء يثيره مستخرجه. قاله الحسن.
والثاني: بقيَّة مِنْ عِلْمٍ تُؤثَر عن الأولين. قاله ابن قتيبة.
وإِلى نحوه ذهب الفراء. وأبو عبيدة.
والثالث: علامة مِنْ عِلْم. قاله الزجاج.
وقرأ ابن مسعود. وأبورزين. وأيوب السختياني. ويعقوب: {أثَرَةٍ} بفتح الثاء. مثل شجرة.
ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الخَطُّ. قاله ابن عباس؛ وقال هو خَط كانت العرب تخُطُّه في الأرض. قال أبو بكر بن عيّاش: الخَطُّ هو العِيافة.
والثاني: أو علْم تأثُرونه عن غيركم. قاله مجاهد.
والثالث: خاصَّة مِنْ عِلْم. قاله قتادة.
وقرأ أُبيُّ بن كعب. وأبوعبد الرحمن السلمي. والحسن. وقتادة. والضحاك. وابن يعمر: {أثْرَةٍ} بسكون الثاء من غير ألف بوزن نَظْرَةٍ.
وقال الفراء: قرئت {أثارةٍ} و{أثَرَةٍ}. وهي لغات. ومعنى الكل: بقيَّة مِنْ عِلْم. ويقال: أوشيء مأثور من كتب الأولين. فمن قرأ {أثارةٍ} فهو المصدر. مثل قولك: السماحة والشجاعة. ومن قرأ {أثَرَةٍ} فإنه بناه على الأثَر. كما قيل: قَتَرة. ومن قرأ {أثْرَةٍ} فكأنه أراد مثل قوله: {الخَطْفَة} [الصافات: 10] و{الرَّجْفَة} [الأعراف: 78].
وقال اليزيدي: الآثارة: البقيَّة؛ والأثَرَة. مصدر أثَرَه يأثُرُه. أي: يذكُره ويَرويه. ومنه حديثٌ مأثور.
قوله تعالى: {مَنْ لاَ يستجيبُ له} يعني الأصنام {وهم عن دعائهم غافلون} لأنها جماد لا تَسمع. فإذا قامت القيامة صارت الالهة أعداءً لعابديها في الدنيا.
ثم ذكر بما بعد هذا أنهم يسمُّون القرآن سِحْرًا وأن محمدًا افتراه.
قوله تعالى: {فلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئًا} أي: لا تقدِرون على أن ترُدُّوا عني عذابَه. أي: فكيف أفتري مِنْ أجِلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عذابه عنِّي؟! {هوأعلمُ بما تُفيضونَ فيه} أي: بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب والقول بأنه سِحْر {كفى به شهيدًا بيني وبينَكم} أن القرآن جاء مِنْ عندِ الله {وهوالغفور الرحيم} في تأخير العذاب عنكم.
وقال الزجاج: إنما ذكر هاهنا الغُفران والرَّحمة ليُعْلِمَهم أنَّ من أتى ما أَتَيْتُم ثم تاب فإن الله تعالى غفور له رحيم به.